فصل في الكلام على إمامة أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي بن أبي طالب عليه السلام
فقال عليه السلام : [ فإن قيل: ] لك [ فمن أول الأئمة وأولى الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقل: ذاك أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه السلام ]، وهذا مذهب العترة عليهم السلام وأتباعهم الزيدية وهو قول الإمامية والباطنية، وقالت المعتزلة والأشعرية وغيرهم من سائر الفرق: بل الإمام بعده صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم اتفقت الأمة على إمامة علي عليه السلام بعد عثمان، إلا ما كان من الفئة الباغية فلا يعتد به، إذ قد صح أنهم دعاة إلى النار، وكذلك مخالفة الخوارج وأهل الجمل له عليه السلام فلا يعتد بها لأنهم قد سلموا له أنه الإمام بعد مقتل عثمان وإنما نكثوا بيعته وتركوا طاعته اتباعاً للأهواء وميلاً إلى الحسد، فانتقمهم الله تعالى وأبادهم بسيف الوصي وأهلكهم بذنوبهم وأفناهم على يد ذلك الولي، فأما عبد الله بن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما ممن قعد عن نصرته عليه السلام ، فقد اختلفت الأقوال والروايات عنهم فقيل: لم يخالفوا في كونه الإمام بعد مقتل عثمان، وإنما اشتبه عليهم قتال من خالفه فقعدوا عن نصرته والقتال معه، وقيل: بل توقفوا عن البيعة له ولم يدخلوا في إمامته ولم يقولوا بإمامة أحد، فتركهم الوصي وشأنهم حيث لم يخشى منهم ضرراً واشتغل بما هو أهم وهو قتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
فهذه صفة الاختلاف بين الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فيجب على العاقل أن ينظر الحق ويجتهد في طلبه حتى يتيقنه وأن يكون كما أمره الله تعالى من ?الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ? {الزمر:18}، هذا ولا يخفى على كل ذي عقل سليم ولب مستقيم أنه لا يمكن أن يكون الجميع مصيبين لاستحالة صدق النقيضين، ولا أن يكونوا كلهم مخطئين لاستحالة ارتفاعهما، فلا بد أن يكون الحق في أحد الجانبين فيجب النظر أي الفريقين أحق بالأمن ?الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ?{الأنعام:82}، ?وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ?{الأعراف:181}، يتبع....قريبا.